الاثنين، 17 يونيو 2013

إدمان الإنترنت: بلاء ينتشر بين شبابنا دون حسيب أو رقيب



إدمان الإنترنت: بلاء ينتشر بين شبابنا دون حسيب أو رقيب

 
د. جميل احمد إطميزي.






مقال أكاديمي "إدمان الإنترنت: بلاء ينتشر بين شبابنا دون حسيب أو رقيب"، نشر في ملحق صحيفة القدس الرقمي، السنة 2، العدد 4، ص 4، أيار/ 2013م، الرابط:   www.alqudsalraqmi.ps

----------------------------------------------------------------------------------------



اذا رأيت أحدا يعاني من السهر، وفقدان التركيز والسرحان، والعزلة والانطواء، والنسيان والتأخر الدراسي، وفقدان الشهية للأكل أو الشراهة المفرطة، وتجاهل النشاطات الاجتماعية، والهروب من المسؤوليات الأسرية، وإهماله الصلوات...الخ، فليس بالضرورة انه مدمن مخدرات ولا بالضرورة عاشقا، بل هو على الأغلب مدمن إنترنت.
*  إدمان الإنترنت:
الإدمان عموما هو عدم قدرة الفرد عن الاستغناء عن شيء ما أو امرأ ما، فاذا ما قُطعت الإنترنت لأي سبب تحرك الشخص بهستيريا لإرجاعها، واذا ما سافر فان أول موضوع يسأل عنه هو كيفية الوصول الى الإنترنت، وترى هذا الشخص ينسى واجباته ومسؤولياته بل وينسى نفسه، وقد توفيت طفلة كورية جوعا قبل فترة لان والديها قصرا في إطعامها، بسبب إدمانهم اللعب على لعبة تدور حول ترييه طفلة افتراضية، واهملا طفلتهما الفيزيائية. وقد لا يعلم بعض الناس ان بعض مستخدمي الإنترنت يواصلون العمل عليها بضعة أيام دون توقف.
ويقول بعضهم اذا أردت ان ترى أبنائك الموجودين في بيتك، فافصل الإنترنت لدقائق معدودة فسوف تراهم ينسلون تباعا من غرفهم متسائلين عن المشكلة.
* مدة الاستخدام المَرضّي للإنترنت:
عدد ساعات استخدام الفرد تعطي مؤشرا على الإدمان، فاذا زاد الحد عن الاستخدام المعقول تحول الى استخدام مَرَضّي، ولا يوجد حد دقيق للتمييز، فالبعض اعتبر ان 40 ساعة استخدام أسبوعيا تعطي مؤشرا على الإدمان.
والصحيح ان الأمر يدخل فيه العديد من المؤثرات والعوامل، ومنها قابلية الشخص وقدراته، واستعداداته النفسية حيث ان بعض الأشخاص أكثر ميلا الى الإدمان من غيرهم، وكذلك طبيعة عمله: فمثلا من الطبيعي لطلاب وأساتذة التخصصات ذات العلاقة بتكنولوجيا المعلومات ان يستخدموا الإنترنت أكثر من أشخاص يتعاملون مع الإنترنت كهواية وكحاجة محددة، كما ويدخل في الأمر الفترة التي يلازم فيها الشخص الإنترنت فقد يتعرض الإنسان الى وضع يضطر فيه الى استخدام الإنترنت فترة طويلة في أيام أو أسابيع معينة ولكنه يرجع الى الاستخدام المعقول بعد ذلك.
كما ان طبيعة الإدمان تبين ان المدمن يقضي الساعات الطوال أمام موضوعا واحدة كالألعاب أو الدردشة بخلاف شخص يدخل عددا من الساعات ويطوف على مجالات متعددة كقراءة الأخبار والمشاركة في المنتديات واستخدام الشبكات الاجتماعية ومتابعة بعض الفيديوهات ...الخ، فالموضوع يحتاج الى دراسات، والمؤشر الأهم هو بداية ظهور أعراض الإدمان التي ذكرناها.
* الأشخاص المعرضين الى إدمان الإنترنت:
لا يوجد شخص محصن بالفطرة من هكذا إدمان، ولكن هناك قطاعات من البشر أكثر ميلا بحكم عوامل عديدة، وبالمقابل هناك افردا لا يجدون وقتا لكي يدمنوا بل لا يجدون وقتا لاستخدام الإنترنت أكثر من دقائق، وبكل الأحوال فان أكثر المعرضين للإدمان هم من يعانون من الملل وقلة الانشغال، ومن الذين يمتلكون إرادة ضعيفة أو شخصية مهزوزة، أو من يعانون الاكتئاب والشخصيات القلقة، ويقال ان الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضاً عرضه للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الإنترنت.
ويرى بعض المختصين أن إدمان الإنترنت عملية مرحلية، فكثيرا ما يكون المستخدمين الجدد هم الأكثر استخداماً وإسرافاً في استخدام الإنترنت بسبب انبهارهم بها، ثم بعد فترة يحد البعض من استخدامهم لها ويدخلون مرحلة الاستخدام السليم والمتوازن لها، ولكن آخرون تطول معهم مرحلة الانبهار فيسرفون في استخدامها، ولا يتمكنون من الاستغناء عنها ويدخلون الى الإدمان.
فلا بد للشخص من ان يستطيع التحكم في وضعه، ولا بد من الأهالي من متابعة أبنائهم ومراقبتهم ومن تحديد الأوقات لهم.
* على ماذا يدمن هؤلاء؟
من متابعتنا لبعض الدراسات، فان أغلب مجالات الإدمان تتمحور حول المواضيع الأتية:
§  الدردشة: بعض الناس ومنهم الأشخاص الذين يعانون من الانطواء أو الحرمان أو التشتت الأسري، ينتابهم هوس بالدردشة والثرثرة وبالنقاشات الفارغة، سواء كتابية أو صوتية أو بالصوت والصورة، وغالبا ما يكون هؤلاء الأصدقاء لا يعرفون بعضهم بعضا في الحياة الاعتيادية، ويحب البعض هذا النوع للتعبير عن مشاكلهم، أو للقيام بعلاقة غرامية عبر النت، وينجرون الى أحاديث في أي موضوع مقبول أو مرفوض دون حسب أو رقيب خصوصا اذا ما تستر البعض بأسماء وهمية، ولا تستغرب قيام البعض بالدردشة ساعات طوال يوميا وبامتداد عدة أشهر، ومن ثم يختفي الصديق أو يتبخر!
§   الألعاب الحاسوبية والإنترنتية: وهي من أكثر المواضيع التي يظهر فيها الإدمان على حقيقته، فمن يغرق في لعبة يحبها فانه ينسى الوقت، وينسى الطعام، وينسى نفسه، ويواصل الأمر دون أي فاصل، ونستغرب عندما نهام ان البعض قد يلعب 24 ساعة بشكل متواصل مستهلكا أعصابه ومشاعره وصحته في بطولات افتراضية، ويلزم الانتباه كثيرا الى الأطفال والمراهقين الذين يمارسون هذه الألعاب.
§  الأفلام الإباحية: وهي من أكثر الكوارث التي تصيب الفرد، حيث يبدأ الأمر بفضول ومن ثم استمتاع ومن ثم إدمان، وتؤدي فيه بالنهاية الى الشذوذ والعجز الجنسي، ويتضح من كثير من الدراسات ان الذكور أكثر ميلا لهذا البلاء.
§     الشبكات الاجتماعية ومنها الفيسبوك: حيث ينسج البعض علاقات اجتماعية وغالبا افتراضية مع عدد كبير من المستخدمين الذين يناسبونه كمحبي الرياضة مثلا. ويلاحظ إن النساء أكثر ميلا نحو مواقع التعارف الافتراضي، وأغلبهن يفضلن الاستتار وراء اسم وهمي.
§  أنواع أخرى: يعاني البعض من هوس بمتابعة بعض أنواع الأخبار: كأخبار الرياضة، وأخبار الممثلين ...الخ، ويعاني آخرون من هوس معرفة كل شيء ويقضون الساعات الطوال في البحث والاستقراء، والبعض الأخر يعشق الكتابة في المنتديات والمدونات في قضية يتبناها، وبعضهم يقوم بكتابة تعليق على كل خبر لصحيفة أو موقع أخباري ويفتي في كل شيء.
والحقيقة ان الحديث يطول في هذا الأمر، فكل يوم يظهر هوس جديد!.
*  الإدمان في بلادنا:
يخطئ من يظن ان الإدمان مسألة أو قضية بسيطة وقليلة، بل هي موجودة وخطيرة وتتصاعد يوميا والأدهى انه لا يوجد حسيب ولا رقيب! فان كان مسؤولي السلطة اهتموا كثيرا ورفضوا قضية فرض اللباس المحتشم من قبل احدى الجامعات المحلية، فلا نرى منهم أي توعية مدرسية أو جامعية أو مجتمعية بهذا البلاء، بل انهم في مرحلة ما قاموا بحظر مواقع سياسية ناقدة للفساد وناقدة لممارسات معينة، ولكنهم لم يقوموا أبدا بحظر مواقع إباحية وإسقاطيه ومواقع هدامة!
 فلا بد من البدء في حملات توعية على جميع المستويات، ومعالجة الظاهرة قبل الاستفحال، ولا بد للأهل والآباء من ممارسة دورهم، وهذه بعض النصائح:
§     وضع الجهاز الذي يستخدمه الأبناء في مكان ظاهر لبقية أفراد الأسرة.
§   تحديد وقت معين لاستخدام الحاسوب والإنترنت، فلا يعقل ان يسمح للأبناء بدخول الإنترنت صباحا ومساء، نهارا وليلا.
§   إفهام الأبناء انه لا يوجد أسرار على الإباء والأمهات وانه يمكنهم الاطلاع على نوعية ممارسات أبناءهم متى لرادوا.
§   قطع الإنترنت فترة من الزمن اذا أساء الأبناء استخدامها، وإشعارهم انه يمكنهم استخدام الإنترنت استخدما سليما أو لن يستخدموها أبدا.
*  هل يمكن علاج إدمان الإنترنت:
نعم، يمكن العودة عن الإدمان، ولكن آثار الإدمان تحتاج الى وقت ليس بالقصير، ويقترح البعض العودة التدريجية لصعوبة الانقطاع الكامل والفجائي، ويقترح آخرون الانشغال بقضايا حياتية فيزيائية لملء الفراغ.
بكل الأخوال فانه يمكن للبعض ان يعالج هذا الإدمان بنفسه، ولكن البعض يحتاج الى مساعدة الأهل، ويبقى آخرون يحتاجون الى ما هو أكبر وهو زيارة عيادات الإدمان الخاصة بالإنترنت أو الالتقاء بمختصين في هذا الأمر.
 

 *جامعة فلسطين الأهلية، بيت لحم
j.itmazi@gmail.com

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك د. جميل على هذا المقال

    حمدان ابو ركبة

    ردحذف
  2. سامي حمد معروف24 يونيو 2013 في 5:58 ص

    السلام عليكم

    يجب ان يتم إعداد دراسات لمعالجة الظاهرة قبل الاستفحال.

    د. سامي معروف

    ردحذف